فصل: (نَسَبُ زُبَيْدٍ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: سيرة ابن هشام المسمى بـ «السيرة النبوية» (نسخة منقحة)



.[دَعْوَةُ تُبّانَ قَوْمَهُ إلَى الْيَهُودِيّة، وَتَحْكِيمُهُمْ النّارَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ]:

ثُمّ خَرَجَ مِنْهَا مُتَوَجّهًا إلَى الْيَمَنِ بِمَنْ مَعَهُ مِنْ جُنُودِهِ وَبِالْحَبْرَيْنِ حَتّى إذَا دَخَلَ الْيَمَنَ دَعَا قَوْمَهُ إلَى الدّخُولِ فِيمَا دَخَلَ فِيهِ فَأَبَوْا عَلَيْهِ حَتّى يُحَاكِمُوهُ إلَى النّارِ الّتِي كَانَتْ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي أَبُو مَالِكِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ أَبِي مَالِكِ القُرَظيّ قَالَ سَمِعْت إبْرَاهِيمَ بْنَ مُحَمّدِ بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللّه ِ يُحَدّثُ أَنّ تُبّعًا لَمّا دَنَا مِنْ الْيَمَنِ لِيَدْخُلَهَا حَالَتْ حِمْيَرُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَقَالُوا: لَا تَدْخُلُهَا عَلَيْنَا، وَقَدْ فَارَقْت دِينَنَا، فَدَعَاهُمْ إلَى دِينِهِ وَقَالَ إنّهُ خَيْرٌ مِنْ دِينِكُمْ فَقَالُوا: فَحَاكِمْنَا إلَى النّارِ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَكَانَتْ بِالْيَمَنِ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- نَارٌ تَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ تَأْكُلُ الظّالِمَ وَلَا تَضُرّ الْمَظْلُومَ فَخَرَجَ قَوْمُهُ بِأَوْثَانِهِمْ وَمَا يَتَقَرّبُونَ بِهِ فِي دِينِهِمْ وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا مُتَقَلّدَيْهَا، حَتّى قَعَدُوا لِلنّارِ عِنْدَ مَخْرَجِهَا الّذِي تَخْرُجُ مِنْهُ فَخَرَجَتْ النّارُ إلَيْهِمْ فَلَمّا أَقْبَلَتْ نَحْوَهُمْ حَادُوا عَنْهَا وَهَابُوهَا، فَذَمَرَهُمْ مَنْ حَضَرَهُمْ مِنْ النّاسِ وَأَمَرُوهُمْ بِالصّبْرِ لَهَا، فَصَبَرُوا حَتّى غَشِيَتْهُمْ فَأَكَلَتْ الْأَوْثَانَ وَمَا قَرّبُوا مَعَهَا، وَمَنْ حَمَلَ ذَلِكَ مِنْ رِجَالِ حِمْيَرَ، وَخَرَجَ الْحَبْرَانِ بِمَصَاحِفِهِمَا فِي أَعْنَاقِهِمَا تَعْرَقُ جِبَاهُهُمَا لَمْ تَضُرّهُمَا، فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِ فَمِنْ هُنَالِكَ وَعَنْ ذَلِكَ كَانَ أَصْلُ الْيَهُودِيّةِ بِالْيَمَنِ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَدْ حَدّثَنِي مُحَدّثٌ أَنّ الْحَبْرَيْنِ وَمَنْ خَرَجَ مِنْ حِمْيَرَ، إنّمَا اتّبَعُوا النّارَ لِيَرُدّوهَا، وَقَالُوا: مَنْ رَدّهَا فَهُوَ أَوْلَى بِالْحَقّ فَدَنَا مِنْهَا رِجَالٌ مِنْ حِمْيَرَ بِأَوْثَانِهِمْ لِيَرُدّوهَا فَدَنَتْ مِنْهُمْ لِتَأْكُلَهُمْ فَحَادُوا عَنْهَا وَلَمْ يَسْتَطِيعُوا رَدّهَا وَدَنَا مِنْهَا الْحَبْرَانِ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَعَلَا يَتْلُوَانِ التّوْرَاةَ وَتَنْكُصُ عَنْهُمَا، حَتّى رَدّاهَا إلَى مَخْرَجِهَا الّذِي خَرَجَتْ مِنْهُ فَأُصْفِقَتْ عِنْدَ ذَلِكَ حِمْيَرُ عَلَى دِينِهِمَا، وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.

.[رئَامٌ وَمَا صَارَ إلَيْهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ رِئَامٌ بَيْتًا لَهُمْ يُعَظّمُونَهُ وَيَنْحَرُونَ عِنْدَهُ وَيَكَلّمُونَ كَانُوا عَلَى شِرْكِهِمْ؟ فَقَالَ الْحَبْرَانِ لِتُبّعِ إنّمَا هُوَ شَيْطَانٌ يَفْتِنُهُمْ بِذَلِكَ فَخَلّ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَالَ فَشَأْنُكُمَا بِهِ فَاسْتَخْرَجَا مِنْهُ- فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْيَمَنِ- كَلْبًا أَسْوَدَ فَذَبَحَاهُ ثُمّ هَدَمَا ذَلِكَ الْبَيْتَ فَبَقَايَاهُ الْيَوْمَ- كَمَا ذُكِرَ لِي- بِهَا آثَارُ الدّمَاءِ الّتِي كَانَتْ تُهْرَاق عَلَيْهِ.

.مُلْكُ ابْنِهِ حَسّانَ بْنِ تُبّانَ وَقَتْلُ عَمْرٍو أَخِيهِ لَهُ: سَبَبُ قَتْلِهِ:

فَلَمّا مَلَكَ ابْنُهُ حَسّانُ بْنُ تُبّانَ أَسْعَدَ أَبِي كَرِبٍ سَارَ بِأَهْلِ الْيَمَنِ يُرِيدُ أَنْ يَطَأ بِهِمْ أَرْضَ الْعَرَبِ وَأَرْضَ الْأَعَاجِمِ، حَتّى إذَا كَانُوا بِبَعْضِ أَرْضِ الْعِرَاقِ- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: بالَبحريْنِ فِيمَا ذَكَرَ لِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ- كَرِهَتْ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ الْمَسِيرَ مَعَهُ وَأَرَادُوا الرّجْعَةَ إلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ فَكَلّمُوا أَخًا لَهُ يُقَالُ لَهُ عَمْرٌو، وَكَانَ مَعَهُ فِي جَيْشِهِ فَقَالُوا لَهُ اُقْتُلْ أَخَاك حَسّانَ وَنُمَلّكُك عَلَيْنَا، وَتَرْجِعُ بِنَا إلَى بِلَادِنَا، فَأَجَابَهُمْ. فَاجْتَمَعَتْ عَلَى ذَلِكَ إلّا ذَا رُعَيْنٍ الْحِمْيَرِيّ فَإِنّهُ نَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَلَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ فَقَالَ ذُو رُعَيْنٍ:
سهرا بنوم أَلَا مَنْ يَشْتَرِي سَهْرًا بِنَوْمِ ** سَعِيدٌ مَنْ يَبِيتُ قَرِيرَ عَيْنِ

فَأَمّا حِمْيَرُ غَدَرَتْ وَخَانَتْ ** فَمَعْذِرَةُ الْإِلَهِ لَذِي رُعَيْنِ

ثُمّ كَتَبَهُمَا فِي رُقْعَةٍ وَخَتَمَ عَلَيْهَا، ثُمّ أَتَى بِهَا عَمْرًا فَقَالَ لَهُ ضَعْ لِي هَذَا الْكِتَابَ عِنْدَك، فَفَعَلَ تَمّ قَتَلَ عَمْرٌو أَخَاهُ حَسّانَ وَرَجَعَ بِمَنْ مَعَهُ إلَى الْيَمَنِ؛ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ:
لَاهِ عَيْنَا الّذِي رَأَى مِثْلَ حَسّا ** نَ قَتِيلًا فِي سَالِفِ الْأَحْقَابِ

قَتَلَتْهُ مَقاوِلٌ خَشْيَةَ الْحَبْسِ ** غَدَاةً قَالُوا: لَبَابِ لَبَابِ

مَيْتُكُمْ خَيْرُنَا وَحَيّكُمْ ** رَبّ عَلَيْنَا وَكُلّكُمْ أَرْبَابِي

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَوْلُهُ لَبَابِ لَبَابِ لا بَأْسَ لَا بَأْسَ بِلُغَةِ حِمْيَرَ قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: لِبَابِ لِبَابِ.

.[نَدَمُ عَمْرٍو وَهَلَاكُهُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَلَمّا نَزَلَ عَمْرُو بْنُ تُبّانَ الْيَمَنَ مُنِعَ مِنْهُ النّوْمُ وَسُلّطَ عَلَيْهِ السّهَرُ فَلَمّا جَهَدَهُ ذَلِكَ سَأَلَ الْأَطِبّاءَ والحُزاة مِنْ الْكُهّانِ وَالْعَرّافِينَ عَمّا بِهِ فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ مِنْهُمْ إنّهُ وَاَللّهِ مَا قَتَلَ رَجُلٌ قَطّ أَخَاهُ أَوْ ذَا رَحِمِهِ بَغْيًا عَلَى مِثْلِ مَا قَتَلْتَ أَخَاك عَلَيْهِ إلّا ذَهَبَ نَوْمُهُ وَسُلّطَ عَلَيْهِ السّهَرُ فَلَمّا قِيلَ لَهُ ذَلِكَ جَعَلَ يَقْتُلُ كُلّ مَنْ أَمَرَهُ بِقَتْلِ أَخِيهِ حَسّانَ مِنْ أَشْرَافِ الْيَمَنِ، حَتّى خَلَصَ إلَى ذِي رُعَيْنٍ فَقَالَ لَهُ ذُو رُعَيْنٍ إنّ لِي عِنْدَك بَرَاءَةً فَقَالَ وَمَا هِيَ؟ قَالَ الْكِتَابُ الّذِي دَفَعْتُ إلَيْك: فَأَخْرَجَهُ فَإِذَا فِيهِ الْبَيْتَانِ فَتَرَكَهُ وَرَأَى أَنّهُ قَدْ نَصَحَهُ. وَهَلَكَ عَمْرٌو، فَمَرَجَ أَمْرُ حِمْيَرَ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَفَرّقُوا.
وثوب لخينعة ذي شناتر على ملك اليمن.

.[تولِيهِ الْمُلْكَ وَشَيْءٌ مِنْ سِيرَتِهِ ثُمّ قَتْلُه]:

فَوَثَبَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ مِنْ حِمْيَرَ لَمْ يَكُنْ مِنْ بُيُوتِ الْمَمْلَكَةِ يُقَالُ لهَ لَخْنيعة يَنُوف. شَناتر، فَقَتَلَ خِيَارَهُمْ وَعَبِثَ بِبُيُوتِ أَهْلِ الْمَمْلَكَةِ مِنْهُمْ فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ حِمْيَرَ للخنيعة:
حِمْيَرَ للخنيعة:
تُقَتّلُ أَبْنَاهَا وَتَنْفِي سَرَاتَهَا ** وَتَبْنِي بِأَيْدِيهَا لَهَا الذّلّ حِمْيَرُ

تُدَمّرُ دُنْيَاهَا بِطَيْشِ حُلُومِهَا ** وَمَا ضَيّعْت مِنْ دِينِهَا فَهُوَ أَكْثَرُ

كَذَاك الْقُرُونُ هَلْ ذَاكَ بِظُلْمِهَا ** وَإِسْرَافِهَا تَأْتِي الشّرُورَ فَتُخْسَرُ

وَكَانَ لَخْنيعة امْرِئِ فَاسِقًا يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ، فَكَانَ يُرْسِلُ إلَى الْغُلَامِ مِنْ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ فَيَقَعُ عَلَيْهِ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ قَدْ صَنَعَهَا لِذَلِك. لِئَلّا يَمْلِكُ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمّ يَطْلُعُ مِنْ مَشْرَبَتِهِ تِلْكَ إلَى حَرَسِهِ وَمَنْ حَضَرَ مِنْ جُنْدِهِ قَدْ أَخَذَ مِسْوَاكًا فَجَعَلَهُ فِي فِيهِ أَيْ لِيُعْلَمَهُمْ أَنّهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُ. حَتّى بَعَثَ إلَى زُرْعَةَ ذِي نُوَاسِ بْنِ تُبّانَ أَسْعَدَ أَخِي حَسّانَ وَكَانَ صَبِيّا صَغِيرًا حِينَ قُتِلَ حَسّانُ ثُمّ شَبّ غُلَامًا جَمِيلًا وَسِيمًا، ذَا هَيْئَةٍ وَعَقْلٍ فَلَمّا أَتَاهُ رَسُولُهُ عَرَفَ مَا يُرِيدُ مِنْهُ فَأَخَذَ سِكّينًا حَدِيدًا لَطِيفًا، فَخَبّأَهُ بَيْنَ قَدَمِهِ وَنَعْلِهِ ثُمّ أَتَاهُ فَلَمّا خَلَا مَعَهُ وَثَبَ إلَيْهِ فَوَاثَبَهُ ذُو نُوَاسٍ فَوَجَأَهُ حَتّى قَتَلَهُ ثُمّ حَزّ رَأْسَهُ فَوَضَعَهُ فِي الْكُوّةِ الّتِي كَانَ يُشْرِفُ مِنْهَا، وَوَضَعَ مِسْوَاكَهُ فِي فِيهِ ثُمّ خَرَجَ عَلَى النّاسِ فَقَالُوا لَهُ ذَا نُوَاسٍ أَرَطْبٌ أَمْ يَبَاسٌ فَقَالَ سَلْ نَخْماس اسْترطُبان ذُو نُوَاسٍ. اسْترطُبان لاباس- قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: هَذَا كَلَامُ حِمْيَرَ. ونخماس: الرّأْسُ- فَنَظَرُوا إلَى الْكُوّةِ فَإِذَا رَأْسُ لَخْنيعة مَقْطُوعٌ فَخَرَجُوا فِي إثْرِ ذِي نُوَاسٍ حَتّى أَدْرَكُوهُ فَقَالُوا: مَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَنَا غَيْرُك: إذْ أَرَحْتنَا مِنْ هَذَا الْخَبِيثِ.

.مُلْكُ ذِي نُوَاسٍ:

فَمَلّكُوهُ وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ حِمْيَرُ وَقَبَائِلُ الْيَمَنِ، فَكَانَ آخِرَ مُلُوكِ حِمْيَرَ، وَهُوَ صَاحِبُ الْأُخْدُودِ، وَتَسَمّى يُوسُفَ فَأَقَامَ فِي مُلْكِهِ زَمَانًا.

.[النّصْرَانِيّةُ بِنَجْرَانَ]:

وَبِنَجْرَانَ بَقَايَا مِنْ أَهْلِ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ عَلَى الْإِنْجِيلِ، أَهْلِ فَضْلٍ وَاسْتِقَامَةٍ مِنْ أَهْلِ دِينِهِمْ لَهُمْ رَأْسٌ يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ، وَكَانَ مَوْقِعُ أَصْلِ ذَلِكَ الدّينِ بِنَجْرَانَ، وَهِيَ بِأَوْسَطِ أَرْضِ الْعَرَبِ فِي ذَلِكَ الزّمَانِ وَأَهْلُهَا وَسَائِرُ الْعَرَبِ كُلّهَا أَهْلُ أَوْثَانٍ يَعْبُدُونَهَا، وَذَلِكَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ ذَلِكَ الدّينِ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُون- وَقَعَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَحَمَلَهُمْ عَلَيْهِ فَدَانُوا بِهِ.
ابْتِدَاءُ وُقُوعِ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ.

.[فَيْمِيُون وَصَالِحٌ وَنَشْرُ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي الْمُغِيرَةُ بْنُ أَبِي لَبِيَدٍ مَوْلَى الْأَخْنَسِ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ الْيَمَانِيّ أَنّهُ حَدّثَهُمْ بِنَجْرَانَ كَانَ أَنّ رَجُلًا مِنْ بَقَايَا أَهْلِ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يُقَالُ لَهُ فَيْمِيُون، وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا مُجْتَهِدًا زَاهِدًا فِي الدّنْيَا، مُجَابَ الدّعْوَةِ وَكَانَ سَائِحًا يَنْزِلُ بَيْنَ الْقُرَى، لَا يُعْرَفُ بِقَرْيَةِ إلّا خَرَجَ مِنْهَا إلَى قَرْيَةٍ لَا يُعْرَفُ بِهَا، وَكَانَ لَا يَأْكُلُ إلّا مِنْ كَسْبِ يَدَيْهِ وَكَانَ بَنّاءً يَعْمَلُ الطّينَ وَكَانَ يُعَظّمُ الْأَحَدَ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْأَحَدِ لَمْ يَعْمَلْ فِيهِ شَيْئًا، وَخَرَجَ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ يُصَلّي بِهَا حَتّى يُمْسِيَ. قَالَ وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الشّامِ يَعْمَلُ عَمَلَهُ ذَلِكَ مُسْتَخْفِيًا، فَفَطِنَ لِشَأْنِهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِهَا يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ فَأَحَبّهُ صَالِحٌ حُبّا لَمْ يُحِبّهُ شَيْئًا كَانَ قَبْلَهُ فَكَانَ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ وَلَا يَفْطِنُ لَهُ فَيْمِيُون: حَتّى خَرَجَ مَرّةً فِي يَوْمِ الْأَحَدِ إلَى فَلَاةٍ مِنْ الْأَرْضِ كَمَا كَانَ يَصْنَعُ وَقَدْ اتّبَعَهُ صَالِحٌ وفَيْمِيون لَا يَدْرِي فَجَلَسَ صَالِحٌ مِنْهُ مَنْظَرَ الْعَيْنِ مُسْتَخْفِيًا مِنْهُ لَا يُحِبّ أَنْ يَعْلَمَ بِمَكَانِهِ. وَقَامَ فَيْمِيُون يُصَلّي، فَبَيْنَمَا هُوَ يُصَلّي إذْ أَقْبَلَ نَحْوَهُ التّنّينُ- الْحَيّةُ ذَاتُ الرّءُوسِ السّبْعَةِ- فَلَمّا رَآهَا فَيْمِيُون دَعَا عَلَيْهَا فَمَاتَتْ وَرَآهَا صَالِحٌ وَلَمْ يَدْرِ مَا أَصَابَهَا فَخَافَهَا عَلَيْهِ فَعِيلَ عَوْلُهُ فَصَرَخَ يَا فَيْمِيُون، التّنّينُ قَدْ أَقْبَلَ نَحْوَك، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهِ وَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ حَتّى فَرَغَ مِنْهَا، وَأَمْسَى فَانْصَرَفَ. وَعَرَفَ أَنّهُ قَدْ عُرِفَ وَعَرَفَ صَالِحٌ أَنّهُ قَدْ رَأَى مَكَانَهُ فَقَالَ لَهُ يَا فَيْمِيُون، تَعْلَمُ وَاَللّهِ أَنّي مَا أَحْبَبْت شَيْئًا قَطّ حُبّكَ وَقَدْ أَرَدْت صُحْبَتَك، وَالْكَيْنُونَةَ مَعَك حَيْثُ كُنْت، فَقَالَ مَا شِئْتَ أَمْرِي كَمَا تَرَى، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنّك تَقْوَى عَلَيْهِ فَنَعَمْ؟ فَلَزِمَهُ صَالِحٌ. وَقَدْ كَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ يَفْطِنُونَ لِشَأْنِهِ وَكَانَ إذَا فَاجَأَهُ الْعَبْدُ بِهِ الضّرّ دَعَا لَهُ فَشُفِيَ وَإِذَا دُعِي إلَى أَحَدٍ بِهِ ضُرّ لَمْ يَأْتِهِ وَكَانَ لِرَجُلِ مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ ابْنٌ ضَرِيرٌ فَسَأَلَ عَنْ شَأْنِ فَيْمِيُون فَقِيلَ لَهُ إنّهُ لَا يَأْتِي أَحَدًا دَعَاهُ وَلَكِنّهُ رَجُلٌ يَعْمَلُ لِلنّاسِ الْبُنْيَانَ بِالْأَجْرِ. فَعَمَدَ الرّجُلُ إلَى ابْنِهِ ذَلِكَ فَوَضَعَهُ فِي حُجْرَتِهِ وَأَلْقَى عَلَيْهِ ثَوْبًا، تَمّ جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ فَيْمِيُون، إنّي قَدْ أَرَدْت أَنْ أَعْمَلَ فِي بَيْتِي عَمَلًا، فَانْطَلِقْ مَعِي إلَيْهِ حَتّى تَنْظُرَ إلَيْهِ فأُشارِطك عَلَيْهِ. فَانْطَلَقَ مَعَهُ حَتّى دَخَلَ حُجْرَتَهُ ثُمّ قَالَ لَهُ مَا تُرِيدُ أَنْ تَعْمَلَ فِي بَيْتِك هَذَا؟ قَالَ كَذَا وَكَذَا، ثُمّ انْتَشَطَ الرّجُلُ الثّوْبَ عَنْ الصّبِيّ ثُمّ قَالَ لَهُ يَا فَيْمِيُون، عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللّهِ أَصَابَهُ مَا تَرَى، فَادْعُ اللّهَ لَهُ. فَدَعَا لَهُ فَيْمِيُون، فَقَامَ الصّبِيّ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. وَعَرَفَ فَيْمِيُون أَنّهُ قَدْ عُرِفَ فَخَرَجَ مِنْ الْقَرْيَةِ وَاتّبَعَهُ صَالِحٌ فَبَيْنَمَا هُوَ يَمْشِي فِي بَعْضِ الشّامِ إذْ مَرّ بِشَجَرَةِ عَظِيمَةٍ. فَنَادَاهُ مِنْهَا رَجُلٌ فَقَالَ يَا فَيْمِيُون؛ قَالَ نَعَمْ قَالَ مَا زِلْتُ أَنْظُرُك وَأَقُولُ مَتَى هُوَ جَاءٍ حَتّى سَمِعْتُ صَوْتَك، فَعَرَفْت أَنّك هُوَ لَا تَبْرَحْ حَتّى تَقُومَ عَلَيّ فَإِنّي مَيّتٌ الْآنَ قَالَ فَمَاتَ وَقَامَ عَلَيْهِ حَتّى وَارَاهُ ثُمّ انْصَرَفَ وَتَبِعَهُ صَالِحٌ حَتّى وَطِئَا بَعْضَ أَرْضِ الْعَرَبِ. فَعَدَوْا عَلَيْهِمَا. فَاخْتَطَفَتْهُمَا سَيّارَةٌ مِنْ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَخَرَجُوا بِهِمَا حَتّى بَاعُوهُمَا بِنَجْرَانَ وَأَهْلُ نَجْرَانَ يَوْمَئِذٍ عَلَى دِينِ الْعَرَبِ، يَعْبُدُونَ نَخْلَةً طَوِيلَةً بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ لَهَا عِيدٌ فِي كُلّ سَنَةٍ إذَا كَانَ ذَلِكَ الْعِيدُ عَلّقُوا عَلَيْهَا كُلّ ثَوْبٍ حَسَنٍ وَجَدُوهُ وَحُلِيّ النّسَاءِ ثُمّ خَرَجُوا إلَيْهَا فَعَكَفُوا عَلَيْهَا يَوْمًا. فَابْتَاعَ فَيْمِيُون رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ وَابْتَاعَ صَالِحًا آخَرُ. فَكَانَ فَيْمِيُون إذَا قَامَ مِنْ اللّيْلِ يَتَهَجّدُ فِي بَيْتٍ لَهُ- أَسْكَنَهُ إيّاهُ سَيّدُهُ- يُصَلّي، اُسْتُسْرِجَ لَهُ الْبَيْتُ نُورًا حَتّى يُصْبِحَ مِنْ غَيْرِ مِصْبَاحٍ فَرَأَى ذَلِكَ سَيّدُهُ فَأَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِ فَأَخْبَرَهُ بِهِ وَقَالَ لَهُ فَيْمِيُون: إنّمَا أَنْتُمْ فِي بَاطِلٍ إنّ هَذِهِ النّخْلَةَ لَا تَضُرّ وَلَا تَنْفَعُ وَلَوْ دَعَوْت عَلَيْهَا إلَهِي الّذِي أَعْبُدُهُ لَأَهْلَكَهَا، وَهُوَ اللّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. قَالَ فَقَالَ لَهُ سَيّدُهُ فَافْعَلْ فَإِنّك إنْ فَعَلْت دَخَلْنَا فِي دِينِك، وَتَرَكْنَا مَا نَحْنُ عَلَيْهِ. قَالَ فَقَامَ فَيْمِيُون، فَتَطَهّرَ وَصَلّى رَكْعَتَيْنِ ثُمّ دَعَا اللّهَ عَلَيْهَا، فَأَرْسَلَ اللّهُ عَلَيْهَا رِيحًا فَجَعَفَتْهَا مِنْ أَصْلِهَا فَأَلْقَتْهَا، فَاتّبَعَهُ عِنْدَ ذَلِكَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِهِ فَحَمَلَهُمْ عَلَى الشّرِيعَةِ مِنْ دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السّلَامُ ثُمّ دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ الْأَحْدَاثُ الّتِي دَخَلَتْ عَلَى أَهْلِ كَانَتْ النّصْرَانِيّةُ بِنَجْرَانَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ وَهْبِ بْنِ مُنَبّهٍ عَنْ أَهْلِ نَجْرَانَ.
أَمْرُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الثّامِرِ وَقِصّةُ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ.

.[فَيْمِيُون وَابْنُ الثّامِرِ وَاسْمُ اللّهِ الْأَعْظَمُ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَزِيدُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَحَدّثَنِي أَيْضًا بَعْضُ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ أَهْلِهَا: أَنّ أَهْلَ نَجْرَانَ كَانُوا أَهْلَ شِرْكٍ يَعْبُدُونَ الْأَوْثَانَ وَكَانَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهَا قَرِيبًا مِنْ نَجْرَانَ- وَنَجْرَانُ: الْقَرْيَةُ الْعُظْمَى الّتِي إلَيْهَا جِمَاعُ أَهْلِ تِلْكَ الْبِلَادِ- سَاحِرٌ يُعَلّمُ غِلْمَانَ أَهْلِ نَجْرَانَ السّحْرَ فَلَمّا نَزَلَهَا فَيْمِيُون- وَلَمْ يُسَمّوهُ لِي بِاسْمِهِ الّذِي سَمّاهُ بِهِ وَهْبُ بْنُ مُنَبّهٍ، قَالُوا: رَجُلٌ نَزَلَهَا- ابْتَنَى خَيْمَةً بَيْنَ نَجْرَانَ وَبَيْنَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ الّتِي بِهَا السّاحِرُ فَجَعَلَ أَهْلُ نَجْرَانَ يُرْسِلُونَ غِلْمَانَهُمْ إلَى ذَلِكَ السّاحِرِ يُعَلّمُهُمْ السّحْرَ فَبَعَثَ إلَيْهِ الثّامِرُ ابْنَهُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ الثّامِرِ، مَعَ غِلْمَانِ أَهْلِ نَجْرَانَ فَكَانَ إذَا مَرّ بِصَاحِبِ الْخَيْمَةِ أَعْجَبَهُ مَا يَرَى مِنْهُ مِنْ صَلَاتِهِ وَعِبَادَتِهِ فَجَعَلَ يَجْلِسُ إلَيْهِ. وَيَسْمَعُ مِنْهُ حَتّى أَسْلَمَ فَوَحّدَ اللّهَ وَعَبَدَهُ وَجَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ حَتّى إذَا فَقِهَ فِيهِ جَعَلَ يَسْأَلُهُ عَنْ الِاسْمِ الْأَعْظَمِ. وَكَانَ يَعْلَمُهُ فَكَتَمَهُ إيّاهُ. وَقَالَ لَهُ: يَا ابْنَ أَخِي، إنّك لَنْ تَحْمِلَهُ أَخْشَى عَلَيْك ضَعْفَك عَنْهُ. وَالثّامِرُ أَبُو عَبْدِ اللّهِ لَا يَظُنّ إلّا أَنّ ابْنَهُ يَخْتَلِفُ إلَى السّاحِرِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْغِلْمَانُ فَلَمّا رَأَى عَبْدُ اللّهِ أَنّ صَاحِبَهُ قَدْ ضَنّ بِهِ عَنْهُ. وَتَخَوّفَ ضَعْفَهُ فِيهِ عَمَدَ إلَى أَقْدَاحٍ فَجَمَعَهَا. ثُمّ لَمْ يُبْقِ لِلّهِ اسْمًا يَعْلَمُهُ إلّا كَتَبَهُ فِي قِدْحٍ وَلِكُلّ اسْمٍ قِدْحٌ حَتّى إذَا أَحْصَاهَا أَوْقَدَ لَهَا نَارًا، ثُمّ جَعَلَ يَقْذِفُهَا فِيهَا قِدْحًا قِدْحًا. حَتّى إذَا مَرّ بِالِاسْمِ الْأَعْظَمِ قَذَفَ فِيهَا بِقِدْحِهِ. فَوَثَبَ الْقِدْحُ حَتّى خَرَجَ مِنْهَا لَمْ تَضُرّهُ شَيْئًا فَأَخَذَهُ ثُمّ أَتَى صَاحِبَهُ فَأَخْبَرَهُ بِأَنّهُ قَدْ عَلِمَ الِاسْمَ الّذِي كَتَمَهُ؟ فَقَالَ وَمَا هُوَ؟ قَالَ هُوَ كَذَا وَكَذَا؟ وَكَيْفَ فَأَخْبَرَهُ بِمَا صَنَعَ قَالَ أَيْ ابْنَ أَخِي، قَدْ أَصَبْتَهُ فَأَمْسِكْ عَلَى نَفْسِك، وَمَا أَظُنّ أَنْ تَفْعَلَ.

.[ابْنُ الثّامِرِ وَدَعْوَتُهُ إلَى النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ]:

فَجَعَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ إذَا دَخَلَ نَجْرَانَ لَمْ يَلْقَ أَحَدًا بِهِ ضُرّ إلّا قَالَ لَهُ يَا عَبْدَ اللّهِ أَتُوَحّدُ اللّهَ وَتَدْخُلُ فِي دِينِي وَأَدْعُو اللّهَ فَيُعَافِيك مِمّا أَنْتَ فِيهِ مِنْ الْبَلَاءِ؟ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُوَحّدُ اللّهَ وَيُسْلِمُ وَيَدْعُو لَهُ فَيُشْفَى. حَتّى لَمْ يَبْقَ بِنَجْرَانَ أَحَدٌ بِهِ ضُرّ إلّا أَتَاهُ فَاتّبَعَهُ عَلَى أَمْرِهِ وَدَعَا لَهُ فَعُوفِيَ حَتّى رُفِعَ شَأْنُهُ إلَى مَلِكِ نَجْرَانَ، فَدَعَاهُ فَقَالَ لَهُ: أَفْسَدْت عَلَيّ أَهْلَ قَرْيَتِي، وَخَالَفْت دِينِي وَدِينَ آبَائِي، لَأُمَثّلَنّ بِك، قَالَ لَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ. قَالَ فَجَعَلَ يُرْسِلُ بِهِ إلَى الْجَبَلِ الطّوِيلِ فَيُطْرَحُ عَلَى رَأْسِهِ فَيَقَعُ إلَى الْأَرْضِ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ وَجَعَلَ يَبْعَثُ بِهِ إلَى مِيَاهٍ بِنَجْرَانَ بُحُورٍ لَا يَقَعُ فِيهَا شَيْءٌ إلّا هَلَكَ فَيُلْقَى فِيهَا فَيَخْرُجُ لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ. فَلَمّا غَلَبَهُ قَالَ لَهُ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ: إنّك وَاَللّهِ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى قَتْلِي حَتّى تُوَحّدَ اللّهَ فَتُؤْمِنَ بِمَا آمَنْتُ بِهِ فَإِنّك إنْ فَعَلْت ذَلِكَ سُلّطْت عَلَيّ فَقَتَلْتنِي. قَالَ فَوَحّدَ اللّهَ تَعَالَى ذَلِكَ الْمَلِكُ وَشَهِدَ شَهَادَةَ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الثّامِرِ، ثُمّ ضَرَبَهُ بِعَصَا فِي يَدِهِ فَشَجّهُ شَجّةً غَيْرَ كَبِيرَةٍ فَقَتَلَهُ ثُمّ هَلَكَ الْمَلِكُ مَكَانَهُ؟ وَاسْتَجْمَعَ أَهْلُ نَجْرَانَ عَلَى دِينِ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الثّامِرِ، وَكَانَ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مِنْ الْإِنْجِيلِ وَحُكْمِهِ ثُمّ أَصَابَهُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ أَهْلَ دِينِهِمْ مِنْ الْأَحْدَاثِ فَمِنْ هُنَالِكَ كَانَ أَصْلُ النّصْرَانِيّةِ بِنَجْرَانَ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَهَذَا حَدِيثُ مُحَمّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيّ، وَبَعْضِ أَهْلِ نَجْرَانَ عَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ الثّامِرِ، وَاَللّهُ أَعْلَمُ أَيّ ذَلِكَ كَانَ.

.[ذُو نُوَاسٍ وَخَدّ الْأُخْدُودِ]:

فَسَارَ إلَيْهِمْ ذُو نُوَاسٍ بِجُنُودِهِ فَدَعَاهُمْ إلَى الْيَهُودِيّةِ وَخَيّرَهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ وَالْقَتْلِ فَاخْتَارُوا الْقَتْلَ فَخَدّ لَهُمْ الْأُخْدُودَ فَحَرَقَ مَنْ حَرَقَ بِالنّارِ وَقَتَلَ بِالسّيْفِ وَمَثّلَ بِهِ حَتّى قَتَلَ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ عِشْرِينَ أَلْفًا، فَفِي ذِي نُوَاس ٍ وَجُنْدِهِ تِلْكَ أَنْزَلَ اللّهُ تَعَالَى عَلَى رَسُولِهِ سَيّدِنَا مُحَمّدٍ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}

.الْأُخْدُودُ لُغَةً:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْأُخْدُودُ الْحَفْرُ الْمُسْتَطِيلُ فِي الْأَرْضِ كَالْخَنْدَقِ وَالْجَدْوَلِ وَنَحْوِهِ وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ. قَالَ ذُو الرّمّةِ وَاسْمُهُ غَيْلَانُ بْنُ عُقْبَةَ أَحَدُ بَنِي عَدِيّ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ أُدّ بْنِ طانجة بْنِ إلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ:
مِنْ الْعِرَاقِيّةِ اللّاتِي يُحِيلُ لَهَا ** بَيْنَ الْفَلَاةِ وَبَيْنَ النّخْلِ أُخْدُودُ

يَعْنِي جَدْوَلًا. وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ. قَالَ وَيُقَالُ لِأَثَرِ السّيْفِ وَالسّكّينِ فِي الْجِلْدِ وَأَثَرِ السّوْطِ وَنَحْوِهِ أُخْدُودٌ وَجَمْعُهُ أَخَادِيدُ.

.[مَقْتَلُ ابْنِ الثّامِرِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَيُقَالُ كَانَ فِيمَنْ قَتَلَ ذُو نُوَاسٍ عَبْدُ اللّهِ بْنُ الثّامِرِ، رَأْسُهُمْ وَإِمَامُهُمْ.

.[مَا يُرْوَى عَنْ ابْنِ الثّامِرِ فِي قَبْرِهِ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي عَبْدُ اللّهِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَنّهُ حُدّثَ أَنّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ نَجْرَانَ كَانَ فِي زَمَانِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ حَفَرَ خَرِبَةً مِنْ خَرِبِ نَجْرَانَ لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَوَجَدُوا عَبْدَ اللّهِ بْنَ الثّامِرِ تَحْتَ دَفْنٍ مِنْهَا قَاعِدًا، وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى ضَرْبَةٍ فِي رَأْسِهِ مُمْسِكًا بِيَدِهِ عَلَيْهَا فَإِذَا أُخّرَتْ يَدُهُ عَنْهَا تَنْبَعِثُ دَمًا، وَإِذَا أُرْسِلَتْ يَدُهُ رَدّهَا عَلَيْهَا، فَأَمْسَكَتْ دَمُهَا، وَفِي يَدِهِ خَاتَمٌ رَبّي اللّهُ فَكُتِبَ فِيهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ يُخْبَرُ بِأَمْرِهِ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ عُمَرُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ أَنْ أَقِرّوهُ عَلَى حَالِهِ وَرُدّوا عَلَيْهِ الدّفْنَ الّذِي كَانَ عَلَيْهِ فَفَعَلُوا.

.أَمْرُ دَوْسِ ذِي ثَعْلَبَانَ، وَابْتِدَاءُ مُلْكِ الْحَبَشَةِ وَذِكْرُ أَرْيَاطَ الْمُسْتَوْلِي عَلَى الْيَمَنِ:

.[فِرَارُ دَوْسٍ وَاسْتِنْصَارُهُ بِقَيْصَرَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَأَفْلَتَ مِنْهُمْ رَجُلٌ مِنْ سَبَأٍ، يُقَالُ لَهُ دَوْسُ ذُو ثَعْلَبَانَ، عَلَى فَرَسٍ لَهُ فَسَلَكَ الرّمْلَ فَأَعْجَزَهُمْ فَمَضَى عَلَى وَجْهِهِ ذَلِكَ حَتّى أَتَى قَيْصَرَ مَلِكَ الرّومِ، فَاسْتَنْصَرَهُ عَلَى ذِي نُوَاسٍ وَجُنُودِهِ وَأَخْبَرَهُ بِمَا بَلَغَ مِنْهُمْ فَقَالَ لَهُ. بَعُدَتْ بِلَادُك مِنّا، وَلَكِنّي سَأَكْتُبُ لَك إلَى مَلِكِ الْحَبَشَةِ فَإِنّهُ عَلَى هَذَا الدّينِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى بِلَادِك، وَكَتَبَ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِنَصْرِهِ وَالطّلَبِ بِثَأْرِهِ.

.[انْتِصَارُ أَرْيَاط وَهَزِيمَةُ ذِي نُوَاسٍ وَمَوْتُهُ]:

فَقَدِمَ دَوْسٌ عَلَى النّجَاشِيّ بِكِتَابِ قَيْصَرَ، فَبَعَثَ مَعَهُ سَبْعِينَ أَلْفًا مِنْ الْحَبَشَةِ، وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَرْيَاط، وَمَعَهُ فِي جُنْدِهِ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ، فَرَكِبَ أَرْيَاط الْبَحْرَ حَتّى نَزَلَ بِسَاحِلِ الْيَمَنِ، وَمَعَهُ دَوْسٌ ذُو ثَعْلَبَانَ، وَسَارَ إلَيْهِ ذُو نُوَاسٍ فِي حِمْيَرَ، وَمَنْ أَطَاعَهُ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ، فَلَمّا الْتَقَوْا انْهَزَمَ ذُو نُوَاسٍ وَأَصْحَابُهُ. فَلَمّا رَأَى ذُو نُوَاسٍ مَا نَزَلَ بِهِ وَبِقَوْمِهِ وَجّهَ فَرَسَهُ فِي الْبَحْرِ ثُمّ ضَرَبَهُ فَدَخَلَ بِهِ فَخَاضَ بِهِ ضَحْضَاحَ الْبَحْرِ حَتّى أَفْضَى بِهِ إلَى غَمْرِهِ فَأَدْخَلَهُ فِيهِ وَكَانَ آخِرَ الْعَهْدِ بِهِ. وَدَخَلَ أَرْيَاط الْيَمَنَ، فَمَلَكَهَا.

.[شِعْرٌ فِي دَوْسٍ وَمَا كَانَ مِنْهُ]:

فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ- وَهُوَ يَذْكُرُ مَا سَاقَ إلَيْهِمْ دَوْسٌ مِنْ أَمْرِ الْحَبَشَةِ: لَا كَدَوْسٍ وَلَا كَأَعْلَاقِ رَحْلِهِ فَهِيَ مَثَلٌ بِالْيَمَنِ إلَى هَذَا الْيَوْمِ وَقَالَ ذُو جَدَن الْحِمْيَرِيّ:
هَوْنكِ لَيْسَ يَرُدّ الدّمْعُ مَا فَاتَا ** لَا تَهْلِكِي أَسَفًا فِي إثْرِ مَنْ مَاتَا

أَبَعْدَ بَيْنُون لَا عَيْنٌ وَلَا أَثَرٌ ** وَبَعْدَ سِلْحِين يَبْنِي النّاسُ أَبْيَاتَا

بَيْنُون وَسِلْحِين وَغُمْدَان: مِنْ حُصُونِ الْيَمَنِ الّتِي هَدَمَهَا أَرْيَاط. وَلَمْ يَكُنْ فِي النّاسِ مِثْلُهَا. وَقَالَ ذُو جَدَن أَيْضًا:
دَعِينِي لَا أَبَا لَك لَنْ تُطِيقِي أبا لك لن تطيقي ** لِحَاكِ اللّهُ قَدْ أَنْزَفْتِ رِيقِي

لَدَيّ عَزْفُ الْقِيَانِ إذْ انْتَشَيْنَا ** وَإِذْ نُسْقَى مِنْ الْخَمْرِ الرّحِيق

وَشُرْبُ الْخَمْرِ لَيْسَ عَلَيّ عَارًا ** إذَا لَمْ يَشْكُنِي فِيهَا رَفِيقِي

فَإِنّ الْمَوْتَ لَا يَنْهَاهُ نَاهٍ ** وَلَوْ شَرِبَ الشّفَاءَ مَعَ النّشُوقِ

وَلَا مُتَرَهّبٍ فِي أُسطوان ** يُنَاطِحُ جُدْرَهُ بَيْضُ الْأَنُوقِ

وغُمْدان الّذِي حُدّثْتِ عَنْهُ ** بَنَوْهُ مُسَمّكا فِي رَأْسِ نِيق

بِمَنْهَمَةِ وَأَسْفَلُهُ جُرُونٌ ** وَحُرّ الْمَوْحَلِ اللّثَق الزّلِيق

مَصَابِيحُ السّلِيطِ تَلُوحُ فِيهِ ** إذَا يُمْسِي كَتَوْماض الْبُرُوقِ

وَنَخْلَتُهُ الّتِي غُرِسَتْ إلَيْهِ ** يَكَادُ الْيُسْرُ يَهْصِرُ بِالْعُذُوقِ

فَأَصْبَحَ بَعْدَ جِدّتِهِ رَمَادًا ** وَغَيّرَ حُسْنَهُ لَهَبُ الْحَرِيقِ

وَأَسْلَمَ ذُو نُوَاسٍ مُسْتَكِينًا ** وَحَذّرَ قَوْمَهُ ضَنْكَ الْمَضِيقِ

وَقَالَ ابْنُ الذّئْبَةِ الثّقَفِيّ فِي ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الذّئْبَةُ أُمّهُ وَاسْمُهُ رَبِيعَةُ بْنُ عَبْدِ يالَيْل بْنِ سَالِمِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حُطَيْطِ بْنِ جُشَمَ بْنِ قَسِيّ:
لَعَمْرك مَا لِلْفَتَى مِنْ مَفَرّ ** مَعَ الْمَوْتِ يَلْحَقُهُ والكِبَرْ

لَعُمْرك مَا لِلْفَتَى صُحْرَة ** لَعُمْرك مَا إنْ لَهُ مِنْ وَزَرْ

أَبَعْدَ قَبَائِلَ مِنْ حِمْيَرَ ** أُبِيدُوا صَبَاحًا بِذَاتِ الْعَبَرْ

بِأَلْفِ أُلُوفٍ وحُرّابة ** كَمِثْلِ السّمَاءِ قُبَيْلَ الْمَطَرْ

يُصِمّ صِيَاحُهُمْ الْمُقْرَبَاتِ ** وَيَنْفُونَ مَنْ قَاتَلُوا بِالذّفَرْ

سَعَالِيَ مِثْلُ عَدِيدِ التّرَا ** بِ تَيْبَسُ مِنْهُمْ رِطَابُ الشّجَر

وَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِي كَرِبٍ الزّبَيْدِيّ فِي شَيْءٍ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَيْسِ بْنِ مَكْشوُح الْمُرَادِيّ فَبَلَغَهُ أَنّهُ يَتَوَعّدُهُ فَقَالَ يَذْكُرُ حِمْيَرَ وَعِزّهَا، وَمَا زَالَ مِنْ مُلْكِهَا عَنْهَا:
أَتُوعِدُنِي كَأَنّكَ ذُو رُعَيْنٍ رعين ** بِأَفْضَلِ عِيشَةٍ أَوْ ذُو نُوَاسِ

وكائنْ كَانَ قَبْلَك مِنْ نَعِيمٍ ** وَمُلْكٍ ثَابِتٍ فِي النّاسِ رَاسِي

قَدِيمٍ عَهْدُهُ مِنْ عَهْدِ عَادٍ ** عَظِيمٍ قَاهِرِ الْجَبَرُوتِ قَاسِي

فَأَمْسَى أَهْلُهُ بَادُوا وَأَمْسَى ** يُحَوّلُ مِنْ أُنَاسٍ فِي أُنَاسِ

.[نَسَبُ زُبَيْدٍ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زُبَيْدُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ مَازِنِ بْنِ مُنَبّهِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ بْنِ مَذْحِج، وَيُقَالُ زُبَيْدُ بْنُ مُنَبّهِ بْنِ صَعْبِ بْنِ سَعْدِ الْعَشِيرَةِ وَيُقَالُ زُبَيْدُ بْنِ صَعْبٍ. وَمُرَادُ يُحَابِر بْنُ مَذْحِج.

.[سَبَبُ قَوْلِ عَمْرِو بْنِ مَعِدِي كَرِبٍ هَذَا الشّعْرَ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَحَدّثَنِي أَبُو عُبَيْدَةَ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ إلَى سَلْمَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الْبَاهِلِيّ وَبَاهِلَةَ بْنِ يَعْصُرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ وَهُوَ بِأَرْمِينِيّةِ يَأْمُرُهُ أَنْ يُفَضّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ الْعِرَابِ عَلَى أَصْحَابِ الْخَيْلِ الْمَقَارِفِ فِي الْعَطَاءِ فَعَرَضَ الْخَيْلَ فَمَرّ بِهِ فَرَسُ عَمْرِو بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ فَرَسك هَذَا مُقْرِفٌ فَغَضِبَ عَمْرٌو، وَقَالَ هَجِينٌ عَرَفَ هَجِينًا مِثْلَهُ فَوَثَبَ إلَيْهِ قَيْسٌ فَتَوَعّدَهُ فَقَالَ عَمْرُو هَذِهِ الْأَبْيَاتِ.

.[صِدْقُ كَهَانَةِ سَطِيحٍ وَشِقّ]:

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: فَهَذَا الّذِي عَنَى سَطِيحٌ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ لَيَهْبِطَن أَرْضَكُمْ الْحَبَشُ فَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى جُرَشَ. وَاَلّذِي عَنَى شِقّ الْكَاهِنُ بِقَوْلِهِ لَيَنْزِلَن أَرْضَكُمْ السّودَانُ، فَلَيَغْلِبُنّ عَلَى كُلّ طِفْلَةٍ الْبَنَانَ وَلَيَمْلِكُنّ مَا بَيْنَ أَبْيَنَ إلَى نَجْرَانَ.

.[غَلَبَ أَبْرَهَةُ الْأَشْرَمُ عَلَى أَمْرِ الْيَمَنِ وَقَتَلَ أَرْيَاطَ]: [مَا كَانَ بَيْنَ أَرْيَاط وَأَبْرَهَةَ]:

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَأَقَامَ أَرْيَاط بِأَرْضِ الْيَمَنِ سِنِينَ فِي سُلْطَانِهِ ذَلِكَ ثُمّ نَازَعَهُ أَمْرِ الْحَبَشَةِ بِالْيَمَنِ أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيّ- وَكَانَ فِي جُنْدِهِ حَتّى تَفَرّقَتْ الْحَبَشَةُ عَلَيْهِمَا فَانْحَازَ إلَى كُلّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا طَائِفَةٌ مِنْهُمْ ثُمّ سَارَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ فَلَمّا تَقَارَبَ النّاسُ أَرْسَلَ أَبْرَهَةُ إلَى أَرْيَاط: إنّك لَا تَصْنَعُ بِأَنْ تَلْقَى الْحَبَشَةُ بَعْضُهَا بِبَعْضِ حَتّى تَفِنِيهَا شَيْئًا فَابْرُزْ إلَيّ وَأَبْرُزُ إلَيْك، فَأَيّنَا أَصَابَ صَاحِبَهُ انْصَرَفَ إلَيْهِ جُنْدُهُ. فَأَرْسَلَ إلَيْهِ أَرْيَاط: أَنْصَفْتَ فَخَرَجَ إلَيْهِ أَبْرَهَةُ وَكَانَ رَجُلًا قَصِيرًا لَحِيمًا حَادِرًا وَكَانَ ذَا دِينٍ فِي النّصْرَانِيّةِ وَخَرَجَ إلَيْهِ أَرْيَاط، وَكَانَ رَجُلًا جَمِيلًا عَظِيمًا طَوِيلًا، وَفِي يَدِهِ حَرْبَةٌ لَهُ. وَخَلَفَ أَبْرَهَةَ غُلَامٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ عَتَوْدَة يَمْنَعُ ظَهْرَهُ. فَرَفَعَ أَرْيَاط الْحَرْبَةَ فَضَرَبَ أَبْرَهَةَ يُرِيدُ يَافُوخَهُ فَوَقَعَتْ الْحَرْبَةُ عَلَى جَبْهَةِ أَبْرَهَةَ فَشَرَمَتْ حَاجِبَهُ أَنْفَهُ وَعَيْنَهُ وَشَفَتَهُ فَبِذَلِكَ سُمّيَ أَبْرَهَةَ الْأَشْرَمَ وَحَمَلَ عَتَوْدَة عَلَى أَرْيَاط مِنْ خَلْفِ أَبْرَهَةَ فَقَتَلَهُ. وَانْصَرَفَ جُنْدُ أَرْيَاط إلَى أَبْرَهَةَ فَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ الْحَبَشَةُ بِالْيَمَنِ وَوَدَى أَبْرَهَةُ أَرْيَاط.